منها «نهب القوافل».. تحديات تواجه الدعم الإنساني للنساء في مناطق النزاعات

منها «نهب القوافل».. تحديات تواجه الدعم الإنساني للنساء في مناطق النزاعات
جلسات دعم للنساء في اليمن

بحزمة من التحديات تواجه المساعدات الدولية الإنسانية الموجهة لإعانة النساء في مناطق النزاعات والحروب، الكثير من العراقيل السياسية والاجتماعية والثقافية، إضافة إلى عقبات لوجستية وأمنية تحول دون إيصال تلك المساعدات إلى النساء والفتيات المتضررات

ووفق دراسة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تتأثّر النساء والفتيات بنسبٍ أكبر من الرجال بتداعيات الحروب والصراعات، إذ يواجهن مخاطر متزايدة على صحّتهن النفسية والجسدية، كما تفتقر 2 مليار امرأة وفتاة في العالم إلى أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية.

ويتطلب التعامل مع هذه التحديات تضافر جهود المنظمات الدولية والمحلية، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل منطقة متأثرة بالنزاع، إذ عادة ما يعوق استمرار العنف والنزاعات المسلحة إيصال المساعدات، حيث تصبح المناطق المتضررة غير آمنة للعاملين في المجال الإنساني، والذي يظهر جليا في استهداف المنظمات الإنسانية أو تقييد وصولها من قبل الأطراف المتنازعة.

وتمثل القيود الثقافية والاجتماعية محورا مفصليا، حيث تعرقل الأعراف والتقاليد المحلية في مناطق النزاع جهود إيصال المساعدات إلى النساء المتضررات، إلى جانب وصم المستفيدات من المساعدات أو الناشطات في هذه البرامج، ما يعرضهن في كثير من الأحيان للتمييز أو العنف.

العنف واستغلال النساء

وتتعرض النساء للعنف الجنسي والاتجار بالبشر خلال النزاعات، ما يزيد من تعقيد احتياجاتهن الإنسانية، إلى جانب استغلال المساعدات كوسيلة للضغط على النساء أو التحكم فيهن، وسط غياب الأطر القانونية أو ضعف تنفيذها في مناطق النزاع، الأمر الذي يحد من قدرة النساء على الحصول على الحماية والعدالة.

وبالتوازي مع نقص التمويل المخصص لبرامج دعم النساء في مناطق النزاعات، جراء ضعف التنسيق بين الجهات المانحة والمنظمات العاملة على الأرض، تكون النساء في معظم الأحيان مستبعدات من توزيع المساعدات بسبب قلة المعلومات أو الاعتماد على آليات توزيع غير شاملة، إلى جانب أن تنقل النساء في المناطق المتضررة قد يكون محدودًا بسبب المخاطر أو القيود المجتمعية، ما يؤدي إلى صعوبة وصول المساعدات إليهن.

وتتركز المساعدات الدولية على الإغاثات العاجلة بدلاً من البرامج طويلة الأجل التي تعزز من قدرات النساء في تجاوز آثار النزاع، فضلا عن عدم مراعاة احتياجات النساء المتنوعة في التخطيط للمساعدات، مثل التعليم، والرعاية الصحية النفسية والإنجابية، والتمكين الاقتصادي وغيرها.

ويظل نهب قوافل المساعدات الإنسانية، بما فيها تلك الموجهة للنساء في مناطق النزاعات، أحد أبرز التحديات التي تعوق وصول المساعدات للفئات الأكثر احتياجا، حيث تتكرر هذه الظاهرة في المناطق التي تسيطر فيها الجماعات المسلحة أو أطراف غير حكومية على المساعدات لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية.

معاناة النساء

وتشهد النساء في قطاع غزة ولبنان والسودان واليمن وسوريا أوضاعا إنسانية كارثية على وقع النزاعات المسلحة، حيث يحرمن من الغذاء والمياه النظيفة والدواء والرعاية الصحية والمأوى، ويجبرن على التشرد والنزوح وسط غياب تام للدعم والحماية والعدالة.

وتتعرض النساء للعنف والاستغلال، إذ يجبرن على تقديم تنازلات للحصول على المساعدات المسروقة أو لضمان سلامتهن، الأمر الذي يؤدي إلى استمرار دورات الفقر والتهميش، حيث يصعب على النساء توفير الاحتياجات الأساسية أو تحسين ظروفهن المعيشية، ما يطيل أمد المعاناة.

وتصف الممثلة الخاصة لهيئة الأمم المتحدة للمرأة في فلسطين، ماريز غيموند، معاناة النساء في قطاع غزة بقولها: "ما شاهدته، فاق أسوأ مخاوفي على النساء والفتيات اللاتي عملت معهن لسنوات عديدة. فهي حرب على المرأة لا تلوح في الأفق نهاية لها".

وأضافت غيموند في إفادتها يوليو الماضي: "كل امرأة قابلتها كانت بمثابة قصة خسارة. فقدت ما يقرب من مليون امرأة منازلهن وأحباءهن وذكريات حياتهن. غزة الآن هي 2 مليون قصة خسارة وأكثر. لا يوجد مكان آمن للنساء في القطاع".

وفي لبنان، قالت هيئة الأمم المتحدة للمرأة إن الحرب الدموية تقطف أرواح النساء والفتيات بشراسة، بعد أن شهد لبنان تصعيدًا في الأعمال العدائية، ما أدخل النساء والفتيات في خضمّ نزاعٍ دموي إضافي، لا سيما وأن ما يقرب من 12 ألفا من الأسر النازحة تتّخذ المرأة معيلًا وحيدًا لها.

ولم يكن السودان أفضل حالا، إذ كشف تقرير لهيئة الأمم المتحدة للمرأة صدر بعنوان "النساء والفتيات في السودان: الصمود وسط لهيب الحرب"، أن عدد المحتاجين إلى خدمات متعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي يبلغ نسبة 100 بالمئة، ليصل إلى 6.7 مليون شخص، الغالبية العظمى منهم من النساء والفتيات. 

وأشار التقرير إلى أن العنف المستمر، وخاصة في الخرطوم ودارفور وكردفان، أدى إلى تفاقم المخاطر التي تواجهها النساء والفتيات، وسط تزايد التقارير عن حالات عنف واستغلال واعتداءات جنسية مرتبطة بالصراع، حيث تتعرض النساء والفتيات النازحات -والبالغ عددهن 5.8 مليون- للخطر بشكل خاص، حيث لا يتم الإبلاغ عن العديد من حالات الإساءة بسبب الافتقار إلى الدعم الكافي والخوف من الوصمة والانتقام.

وفي أكتوبر الماضي، نقلت إذاعة "بي بي سي" عن منظمات حقوقية في السودان قولها إن "العديد من النساء في ولاية الجزيرة وسط البلاد، أقدمن على الانتحار بعد اغتصابهن من قبل أفراد جماعة شبه عسكرية خلال الحرب الأهلية المستمرة في السودان".

ضريبة باهظة

وقالت الحقوقية السودانية، نضال عجيب، إن الحروب تنتهك كل الحقوق الإنسانية، ومن يدفع الفاتورة الأكبر هم النساء والفتيات، حيث يعجزن عن مجابهة القيود والتحديات، ورغم جهود المنظمات الدولية في تقديم المساعدات الإنسانية، فإن الأوضاع في مناطق النزاع تظل كارثية.

وأوضحت عجيب، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن الحرب في السودان المستمرة منذ أكثر من عام، خلفت أكثر من 8 ملايين نازح، وكانت النساء نحو 80 بالمئة منهم، حيث يتعرضن للانتهاكات الجنسية والاغتصاب والعبودية والتهجير القسري والقتل، في ظل انعدام الحقوق الأساسية والخدمات الصحية والتعليمية.

وأضافت: "المنظمات الدولية تلعب أدوارا مهمة، حيث تقدم مساعدات إنسانية وتكشف حقائق صادمة، إلا أنها تواجه العديد من التحديات في ظل استمرار القتال والحصار، أبرزها نهب القوافل والمساعدات، ما يعرقل مساراتها في تقديم وإيصال الدعم إلى النساء المتضررات في مناطق النزاع".

ومضت عجيب، قائلة: "رغم الجهود الدولية فإن التحديات الحالية تفوق ذلك، حيث لا حقوق للنساء ولا فرصة لتحسين أوضاعهن ما لم تتوقف الحرب، خاصة أن معدلات البطالة مرتفعة وقدرات التشغيل تكاد تكون منعدمة".

وأشارت إلى أهمية وجود دعم دولي لتقديم المساعدات دون عراقيل وتحسين حقوق المرأة في ظل الحروب، داعية المجتمع الدولي إلى تأمين مسارات آمنة للمنظمات الدولية في مناطق النزاع، لإقرار حق النساء في الحصول على مساعدات عاجلة دون تنازل أو مساومات يفرضها أطراف النزاع العسكري.

جهود وعراقيل

وأوضح الحقوقي الأردني، رياض الصبح، أن هناك عدة عوامل تحدد مسار عمل المنظمات المحلية والدولية في حماية حقوق النساء في مناطق النزاعات والحروب، أبرزها الأوضاع الأمنية، وطبيعة التنسيق مع الأطراف التي تسمح بدخول المساعدات أو عرقلتها وحجم المساعدات وقدرتها على الوفاء باحتياجات المتضررين.

وقال الصبح، في تصريح لـ"جسور بوست"، إن المنظمات الدولية والمحلية يبرز دورها مع النزاعات بشكل كبير وتتحرك في ضوء المتاح لديها وتقوم بطلب الدعم من الدول بناء على موقفها السياسي من النزاع المسلح، حيث يقدم البعض المساعدات بسخاء بينما يمتنع آخرون.

وحول الأوضاع الإنسانية في غزة، اعتبر الحقوقي الأردني أن إسرائيل استخدمت المساعدات الإنسانية الدولية كورقة مساومة في الحرب على القطاع، حيث فرضت قيودا هائلة على دخول المساعدات منذ 7 أكتوبر 2023 إمعانا في ارتكاب إبادة جماعية.

وأضاف: "رغم الإبادة المستمرة برز دور منظمة الأونروا التابعة للأمم المتحدة، وتحملت ما تعرضت له من قتل لموظفيها وتدمير لمنشآتها وحظر لعملها أصدره الكيان المحتل، وواصلت بكل شجاعة تقديم المساعدات وتوجيه نداءات لمواصلة تقديم الدعم رغم كل القيود المفروضة عليها منذ بدء الحرب على قطاع غزة".

وفي ما يتعلق بالأوضاع في لبنان، أوضح رياض الصبح، أن بيروت لم تعانِ من القيود على المساعدات الإنسانية مثل غزة، حيث تتدفق مساعدات المنظمات الدولية والعربية على المتضررين، داعيا إلى دور أكبر للمجتمع الدولي لتعزيز تقديم المساعدات في جميع النزاعات بالمنطقة العربية.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية